الخميس، 29 سبتمبر 2011

الاستيطان .. حجر الاساس في تهويد القدس



يجد الباحث في تاريخ فلسطين و من مروا عليها ان اليهود لم يكونوا مرتبطين بشكل كبير و طبيعي بالقدس, و ان تواجدهم فيها باعداد كبيرة خلال التاريخ لم يكن الا بدعم من ظروف خارجية طارئة. فحتى عندما انتهى السبي البابلي الذي تم على يد نبوخذ نصر و سمح لليهود بالعودة الى فلسطين, انتقلت نسبة ضئيلة منهم لفلسطين في حين فضل البقية البقاء في بابل حيث الاموال و التجارة. و حتى, عند النسبة القليلة من اليهود التي تواجدت في فلسطين, لم تكن القدس تعني بالنسبة لهم اي قدسية. فحتى ما قبل منتصف القرن التاسع عشر, كانت مدينة صفد شمال فلسطين مدينة اليهود المقدسة و ليست القدس او الخليل, حتى ان اليهود كانوا يأتون بعظام موتاهم ليدفنوها هناك.


و لكن مع ضعف الدولة العثمانية, و تبدل الاوضاع السياسية العامة بدأت تظهر الجماعات اليهودية التي تدعو الى انشاء دولة قومية لليهود. ففي روسيا و دول اوروبا الشرقية, و جراء الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في تلك البلاد نشأت جمعيتي بيلو, التي قامت في روسيا على يد عدد من الطلبة اليهود حيث انها كانت تدعو اليهود للهجرة الى فلسطين تحت شعار " اذا لم اساعد نفسي فمن يساعدني, يا بيت يعقوب هلم بنا نذهب ", و احباء صهيون و التي اتخذت من افكار المفكر اليهودي هس اساساً لما تنادي به. و قد اقامت هذه الجمعيات عدد من اوائل المستوطنات اليهودية في فلسطين. الا ان الحركة الصهيونية كانت الحركة الابرز التي دعت الى الهجرة الى فلسطين و استفادة بشكل كبير من الاحداث من خلال الارتباط ببريطانيا و الولايات المتحدة الامريكية.


و هنا يجب الاشارة بشكل واضح ان اهل القدس قد تنبهوا لهذه الهجرة اليهودية و حاربوا بشدة محاولات بيع الاراضي لهم و تسهيل دخولهم الى القدس. ففي عام 1891 تقدم وجهاء مدينة القدس بشكوى الى الصدر الاعظم يعبرون فيها عن تخوفهم من تزايد اعداد المهاجرين اليهود. و عليه و في عام 1982, اصدرت الاستانة اوامرها الى متصرف القدس تمنع فيها بيع الاراضي الاميرية و العقارات في القدس الى اليهود. و قد اقيم في القدس هيئة محلية برئاسة مفتي القدس محمد طاهر الحسيني مهمتها التدقيق في طلبات نقل الملكية في القدس, و قد دعمت هذه الهئية برعاية الاستانة, مما تسبب في الحد بشكل كبير من استيلاء اليهود على الاراضي في القدس.


الا ان دخول الانتداب البريطاني الى فلسطين و احتلاله للقدس قلب المعادلة بشكل واضح و جعل الامور تنفلت من يد المسلمين و العرب و ترجح الكفة نحو اليهود الصهاينة. فبعد احتلالها للقدس قامت سلطات الاحتلال بمنح الوكالة اليهودية 117 ألف دونم في منطقة القدس من الاراضي الاميرية و هي ما تساوي نسبة 7% من مساحة المدينة. و جراء عمليات الهجرة و الاستيطان التي قامت بها الحركة الصهيونية ارتفع عدد اليهود الى 53800 نسمة في عام 1941. و دعماً للحركة الصهيونية, سهلّت سلطات الانتداب انشاء المؤسسات اليهودية الاستيطانية في القدس مثل الوكالة اليهودية و اللجنة التفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية. كما انها رعت مشاريعها, فعلى سبيل المثال قام رئيس خارجية بريطانيا في ذلك الوقت بلفور بإفتتاح الجامعة العبرية التي اقيمت على جبل الزيتون.


و لم يتوقف الاستيطان بعد الاستيلاء على القدس الغربية عام 1948 و اعلان قيام الكيان الصهيوني الغاصب, بل انه اصبح اكثر منهجية و تنسيق مدعوماً من سلطات الاحتلال نفسها. ففي الفترة ما بين عام 1948 و 1967, تم بناء من 50 مستوطنة داخل مدينة القدس و في محيطها. و بعد احتلال القدس بشكل كامل و وقوع كامل فلسطين تحت الاحتلال, اطلقت سلطات الاحتلال لمشاريعها الاستيطانية في القدس العنان من اجل تهويدها و تحويلها الى مدينة يهودية خالصة. فبدأت هذه الحملة بهدم حي المغاربة و حارة الشرف و اقامة ما يسمى بالحي اليهودي و وسعت من الاراضي التابعة لسيادة القدس و بالتالي ضمت عدد كبير من المستوطنات المحيطة بالقدس الى المدينة.


و طيلة هذه السنوات عملت سلطات الاحتلال على زرع المستوطنين داخل احياء القدس الشرقية من اجل ايجاد واقع جديد في القدس و تهجير اكبر عدد من المقدسيّين من القدس و اسكان المستوطنين مكانهم. كما انها عملت على عزل القدس عن عمقها الجغرافي المتمثل بإتصالها بالضفة الغربية, فعملت على اقامة حاجز من المستوطنات يخنق المدينة و يفصلها عن الضفة الغربية. فعلى سبيل المثال. في عام 1991, اقامت سلطات الاحتلال مستوطنة جفعات هامتوس على اراضي قرى صفافا جنوب القدس و الواقعة على الطريق الواصل بين القدس و بيت لحم. و مع اقامة جدار الفصل العنصري, تم ضم عدد اضافي من المغتصبات الى بلدية القدس و فصل عدد كبير من القرى المقدسية عن المدينة.


و حتى يومنا هذا, يواصل العدو الصهيوني العمل على بناء المستوطنات في القدس اكمالاً لمسلسل التهويد, فقد قامت سطلات الاحتلال بالمصادقة على اقامة 1100 وحدة استيطانية جديدة في مغتصبة جيلو. حتى انها تفكر في حل مشكلة ازمة السكن في فلسطين المحتلة و التي تسبب بالمظاهرات عن طريق توطين اعداد كبيرة في القدس محققة بذلك اكثر من فائدة بإخماد هذه المظاهرات و الاستمرار في تهويد القدس و رفع نسبة المستوطنين اليهود في المدينة.


من هنا نجد ان سياسة الاستيطان تمثل حجر الاساس في تهويد القدس و المحرك الاساسي لاستمرار هذا المشروع من اجل ايجاد عاصمة يهودية بشكل كامل كما يدعون .. و عليه فإنه على من يلهث وراء سراب المفاوضات و الاعتقاد انها قادرة على ايقاف الاستيطان, خصوصاً في القدس, التوقف و التعقل و استيعاب ابعاد الاستيطان و اهميته لدى اليهود ... ان هذه المستوطنات اجسام سرطانية تثقل كاهل الارض و الانسان المقدسيّ و الحل الوحيد لها ان تقتلع من جذورها بالنضال و المقاومة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق