الخميس، 1 سبتمبر 2011

صراع عَقَدي .. و ليس صراع دول و حضارات



" نحن قومٌ اعزنا الله بالاسلام, فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله", بهذه الكلمات وصف الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - امتنا الاسلامية واضعاً معادلة واضحة الاسس و القواعد شارحاً فيها اسباب عزة و ذل هذه الامة الاسلامية. ان الفاروق حدد أن العقيدة الاسلامية و الالتزام بها هو السبب الاساسي لرفعة الامة و بدونها لن تحقق هذه الامة اي رفعة الا اذا آبت لرشدها و عادت للمنهج القويم.


و كما يعرف الجميع فإن ايات القرآن الكريم و احاديث خير البشر عليه افضل الصلاة و السلام بيّنت مكانة المسجد الاقصى الخاصة و اهميته العالية لدى المسلمين. هذه المكانة العالية التي دفعت خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه للسفر من المدينة المنورة الى القدس من أجل فتحها و تحرير اولى القبلتين و ثالث الحرمين الشرفين و تخليص القدس من كيد المغتصبين. منذ ذلك اليوم, اصبح المسجد الاقصى وقف اسلامي للامة الاسلامية كاملة, و اخذت القدس مكانتها الحقيقية بين قلوب العلماء و الخلفاء .. فتسابقوا لاعمارها و اصبحت من أهم المدن التي يقصدها طلبة العلم و العلماء.


و ها هو المسجد الاقصى يقبع تحت الاحتلال الصهيوني , الذي يسعى كل يوم لتهويد القدس كاملة و ازالة المسجد الاقصى و اقامة هيكلم المزعوم بدلاً منه. و في خضم الذل الذي تعيشه امتنا الاسلامية, يتضح لنا مما قاله الفاروق ان السبب الاساسي هو ابتعادنا عن ديننا و عقيدتنا و اللهث وراء سراب العلمانية و الانظمة الوضعية التي ما زادتنا الا تعاسة. و ما ادل عن ابتعادنا عن ديننا مما يطرحه بعض ابناء جلدتنا عن ان صراعنا مع اسرائيل ليس سوى صراع بين الفلسطينيين و اليهود, انه صراح واضح بين ما يسمى بدولة اسرائيل و الدول العربية المحيطة بها بما فيها فلسطين التي اغتصبت. للاسف فإن اتفاقيات " السلام" و ما تمخض عنها وثق لهذه الفكرة و جعلت الكثير يطالب بترك الامر لدول الطوق و الفلسطينيين لتقرير ما يناسبهم.


في المقابل, نجد ان هذه الدولة الصهيونية اقيمت على بناء عقدي, جيّش كل يهود و صهاينة الارض لدعمها و جعلها غايتهم الاولى. نعم, ان اساس  دولة اسرائيل مبني على عقيدة فاسدة محرفة مشوهة, و لكنها ترسخت في قلوب اصحابها فأضحت المحرك الاساسي لهم و الدافع الحقيقي لكل ما يقومون به. و إن ركيزة معتقداتهم و اسماها كما يقولون, يتمثل في بناء هيكل سليمان المزعوم و اقامته مكان المسجد الاقصى. فيقول مناحيم بيغن في احد خطاباته, مردداً قولة بن غوريون المشهورة," لا قيمة لاسرائيل بدون القدس و لا قيمة للقدس بدون الهيكل". و للاسف فإن هذا الاعتقاد الراسخ يتحول الى خطوات تنفيذيه تهدف الى الوصول الى بناء الهيكل المزعوم, و ما ادل على ذلك من الانفاق التي يحفرها العدو تحت المسجد الاقصى بهدف زعزعة اساساته و هدمه, من اجل اقامة الهيكل مكانه, و هذا فيض من غيض و نقطة في بحر اعتداءات الصهاينة على المسجد الاقصى و القدس الشريف.


كما ان العدو يسعى الى ترسيخ هذه المعتقدات في ابنائه من خلال ايجاد اجيال تؤمن بشكل راسخ ان بناء هيكل سليمان هو الهدف الاسمى, و انه يجب بذل الغالي و الرخيص في سبيل تحقيق هذا الهدف. إن هذه العقيدة المسمومة مترسخة منذ عقود في نفوس كبار و زعماء الدولة الصهيونية, فها هو رابين يصف لحظات دخوله القدس اثر احتلالها و السيطرة على حائط المبكى بأنه الشعور الاسمى في حياته و الذي لن يصل لمثله ابداً. هذه هي معتقدات الصهاينة الذين يفاوضونهم, فكيف بالله نرجو خيراً من التفاوض معهم ؟؟!!


كما ان هذه العقيدة المسمومة هي الدافع الحقيقي لكبار اقتصاديي يهود العالم لضخ مئات ملايين الدولارات في كل عام دعماً لمخططات الدولة الصهيونية و مشاريعها للسيطرة على مدينة القدس و تهجير اهلها منها لتصبح خالية لهم من اجل اقامة هيكلهم المزعوم. و لم يتوقف الامر على ذلك, بل ان كبار سياسي اليهود الصهاينة المتغلغلين في ادارات الولايات المتحدة الامريكية المتلاحقة, سخروا امريكا و مواردها لدعم اسرائيل في كل شيء تقوم به,  موفرين بذلك مظلة سياسية عالمية حامية لاسرائيل مدافعة عنها بكل قوتها امام اي احتجاج دولي على تصرفاتها.


امام كل هذا, نجد اننا ننسلخ من عقيدتنا الحقة الصحيحة البينة الطاهرة, و نحدد صراعنا مع اسرائيل على انه صراع دول قابل للتفاوض و التسوية. و ها نحن نرى في هذه الايام السلطة الفلسطينية تلهث وراء سراب اقامة دولة فلسطينية على حدود 67, مجاروة لما يسمى بدولة اسرائيل, فإلى اين نحن ذاهبون؟؟!


إن صراعنا مع العدو الصهيوني صراع عقدي واضح, صراع بين عقيدة النور و عقيدة الظلام, عقيدة تسعى الى رفعة البشرية, و عقيدة همها السيطرة على البشرية و القضاء على الاخر. و الله لن تتحرر القدس و فلسطين المحتلة الا بعودتنا الى ديننا الاسلامي الحنيف و الالتزام به, و زرع عقيدتنا السمحة في انفسنا و في اطفالنا لبناء اجيال تعي و تقدر قيمة هذه الارض المحتلة في ديننا الحنيف و اهميتها و اهمية العمل على تحريرها. لا نريد كلمات جوفاء تردد, و انما عقيدة مغروسة في قلوبنا توجه كل افعالنا من اجل تحرير مغتصباتنا و تطهير المسجد الاقصى من دنس الصهاينة اليهود. و من اهم الخطوات التي نقوم بها ان نزرع اهمية المسجد الاقصى و فلسطين كاملة في قلوب ابنائنا, مبينين قيمتها في ديننا الاسلامي و ان تحريرها امر اساسي يحث عليه ديننا الحنيف. بالتالي سننشيء جيل يضع فلسطين و القدس في قلبه و يتقرب الى الله بالعمل على تحريرها, موضحين تاريخ الامة الاسلامية في حروبها المختلفة التي حررت فيها القدس الشريف, و مؤكدين ان حربنا مع اليهود هي حرب عقائد و ليس صراع محدود بين دولتين على حدود بسيطة.


إن فلسطين قضية الامة الاسلامية اجمع, و لا يجوز لاحد ان يتخلى عنها او ان يحصرها  بجزء من هذه الامة .. ها هو المسجد الاقصى ينادينا ان هلموا امة الاسلام لتحريري فقد طال الاسر .. فلنبني جيلاً اسلامياً يحمل القدس و فلسطين في قلبه و يجاهد بكل ما يتاح له من وسائل في سبيل تحرير فلسطين من دنس اليهود .. هذا هو الطريق الوحيد لاعادة المسجد الاقصى محرراً .. و لنجعل ما قاله الفاروق رضي الله عنه شعاراً لنا في سبيل تحرير القدس وفلسطين .. " نحن قومٌ اعزنا الله بالاسلام, فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق