السبت، 3 سبتمبر 2011

غلاف القدس .. الطوق الذي يخنق القدس



منذ ان وضع اليهود الصهاينة قدمهم على تراب فلسطين, عملوا على جعل القدس مدينة يهودية لتصبح عاصمة لدولتهم. و منذ ان استطاع الاحتلال الصهيوني الاستيلاء على القدس الشريف, عمل العدو الصهيوني ممثلاً بحكومته و بلدية القدس على تهويد المدينة من خلال زرع المستوطنين فيها, تهجير المقدسيّين و الاستيلاء على منازلهم و محلاتهم التجارية. و لم يكن هذا الامر شيئاً مخفياً, بل سياسة معلنة و ممنهجة. فعلى سبيل المثال لا الحصر, صرّح وزير التربية العدو عام 1954 " في بلدنا لا يوجد متّسع سوى لليهود, سنقول للعرب اخرجوا!! اذا لم يوافقوا, اذا قاوموا سوف نخرجهم بالقوة".


الا ان الوضع في القدس لم يكن بالسهولة التي اعتقدوها, بداية فقد اصطدموا بشعب عنيد يقدر قيمة ارضه و يعرف ان التفريط في اي شبر من القدس هو تفريط بفلسطين كاملة. كما ان الكثافة السكانية كانت ترجح للكفة المقدسيّة خصوصاً في القدس الشرقية و مع ضعف اقبال المستوطنين على القدس, فإن بلدية القدس سعت منذ نشأتها الى توسيع مناطق نفوذها بحيث يتم ضم اكبر عدد من المستوطنات الى بلدية القدس لتصبح النسبة اعلى للصهاينة في مدينة القدس.


و لمحاربة اصرار المقدسيّين و لانجاح مخططات التهويد, وضعت بعض الخطط لفصل القدس الشرقية عن القدس الغربية بوضع جدار بينهما, الا ان هذه الافكار قوبلت بالرفض و دفنت في مهدها, و لكن بعد وضع خطة بناء الجدار الفاصل قامت الحكومة الصهيونية بطرح فكرة وضع جدار عازل حول القدس بحيث يفصل الفدس عن امتدادها الطبيعي تجاه الضفة الغربية و يضم اكبر عدد من المستوطنات لتصبح ضمن القدس الشريف, اضافة الى مصادرة عدد كبير من الاراضي و تهجير المقدسيّين و حثهم على الرحيل عن القدس, و اطلق على هذا الجدار غلاف القدس او " حاضن القدس ".


يمتد مسار جدار الفصل العنصري الميحط ب القدس و المسمى بغلاف القدس على طول 181 كم و بإكتماله ستصبح مساحة القدس 235 كم مربع. و في الوقت الذي يعمل فيه الجدار على ضم الكتل الاستيطانية الاساسية و وصلها بالقدس, حيث يضم كتلة جفعون في الشمال, ادوميم في الشرق و عتصيون في الجنوب بحيث تزيد الكثافة السكانية للمستوطنين في القدس, فإنها تفصل احياء و قرى عربية مقدسية واقعة ضمن البلدية عن القدس و تبقيها خارج الجدار, مثل مخيم شعفاط,  سميراميس و كفر عقب جاعلاً اي ان ما يزيد عن 30 ألف مقدسيّ يقطنون هذه المناطق الثلاثة فقط,   اصبحوا معزولين عن مدينتهم. و بمجرد انتهاء بناء هذا الجدار, من المقدر عزل 56% من سكان القدس عنها ليصبحوا خارج الجدار.


لم يكتفي هذا الجدار بعزل المقدسيّين عن مدينتهم, بل انه جعل مهمة توجههم للقدس و الخروج منها مهمة يومية شبه مستحيلة ً, فقد اصبح حاجز قلنديا المنفذ الوحيد لهم و هناك يتعرضون لاصناف التضييق و الاهانة. اضافة الى ذلك, اصبح هذا الجدار سلاح فعّال لبلدية القدس من اجل مصادرة هويات المقدسيّين. فالمقدسيّون المعزولون خارج الجدار مهددين بفقدان هويتهم في حال اقاموا لمدة تصل عن سبع سنوات خارج القدس. و يجب على المقدسيّ اثبات سكنه في القدس من خلال دفع الضرائب و تقديم الاثباتات التي تؤكد مكان سكناهم و عملهم او دراستهم. و قد قامت قوات الاحتلال بمصادرة ما يزيد عن 1000 هوية في عام 2006.


و من أجل محاربة هذه السياسية, اصبحت هناك هجرة من خارج الجدار الى داخله حتى يحافظ المقدسيّون على هوياتهم المقدسية و يحاربوا سياسة التهجير. و لكن في المقابل فإن الاجارات في القدس القديمة اصبحت مرتفعة و البطالة تفشت بين المقدسيّين بنسب مخيفة. اضافة الى ذلك, فإن هذا الجدار اضر بشكل كبير في الجانب الاقتصادي, فقد كانت التجارة بين الضفة الغربية و المقدسيّين المحرك الاساسي لاقتصادهم خصوصاً انهم مقاطعون بالكامل من قبل الصهاينة الموجودين في القدس, و بسبب الصعوبات التي يواجهها التجار على معبر قلنديا , فإن هذه التجارة اصبحت شبه معدومة مما زاد من الضغوطات المالية الكبيرة على المقدسيّين, خصوصاً ان الضرائب المفروضة عليهم تصل الى 65%. و على الرغم من محاولات اهلنا في الـ 48 الحثيثية لدعم المقدسيّين اقتصادياً, الا ان الوضع الاقتصادي ما زال متدهور بشكل كبير.و لا يجب ان ننسى تأثير الغلاف على الجانب الانساني, فقد مزق الجدار الروابط بين الاهالي و جعل التواصل بينهم صعباً جداً.


مما سبق يتبين لنا ان هذا الغلاف ادى الى تهجير عدد كبير من المقدسيّين, زاد من نسبة المستوطنين في القدس, رفع مستوى البطالة في بيت المقدس الى ارقام كبيرة جداً كما انه صادر مساحات كبيرة من الاراضي المقدسية. ان هذا الغلاف الذي يطوّق القدس يعمل على خنق المدينة و الانسان و جعل القدس معزولة عن الضفة الغربية, مغلقة امام اهلها و مفتوحة امام المستوطنين الاغراب لتهويدها. 


مما يتقدم يتبين لنا خطورة هذا الغلاف و مدى فداحة الاضرار التي يسببها للقدس و المقدسيّين .. و عليه يجب ان يكون هناك تحرك على جميع الصعد لمحاربته و كسر هذا الطوق الذي ادمى معصم القدس و جعلها تأنّ وحيدة تحت كيد الاحتلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق