الأحد، 23 أكتوبر 2011

شخصيات مقدسية (1) ~ الحاج أمين الحسيني



في عام 1895 رزق الشيخ طاهر الحسيني - مفتي القدس - بإبنه الثالث, الذي ولد في القدس, و اسماه محمد أمين. و قد عرفت هذه العائلة بتوليها للمناصب المهمة في القدس, فقد شغل الشيخ طاهر منصب مفتي القدس, في حين شغل اخوه الشيخ عمر الحسيني منصب نقيب الاشراف. و قد خلف الشيخ كامل, و هو اخو الحاج أمين, والده و تولى منصب مفتي القدس عقب وفاته (1908). و هذا يوضح المكانة العالية لعائلة الحسيني في القدس و التي كانت لها انعكاس كبير على شخصية الحاج امين و تكوينه منذ صغره, فقد تلقى تربية دينية و تعود على صيام رمضان و اداء الصلاة منذ الصغر, و قد حفظ القران الكريم كاملاً و هو في سن العاشرة.


كباقي اقرانه, بدأ الحاج أمين تلقي تعليمه في " الكتّاب", و بعد ذلك انتقل الى المدارس الحكومية و فيها تلقى تعليمه الابتدائي و الاعدادي. ثم انتقل الحاج امين الى مدرسة الفرير في القدس حيث تعلم فيها اللغة الفرنسية مدة سنتين. و عقب ذلك توجه الحاج امين الى الازهر الشريف و اكمل دراسته الشرعية فيها. و في عام 1913, بعد انهائه لدراسته في الازهر الشريف, ذهب أمين الحسيني رفقة والدته الى الحج و من هنا حصل على لقب الحاج أمين. و بعد عودته الى القدس اندلعت الحرب العالمية الاولى و قد التحق بالجيش العثماني و قضى سنتين في الجيش ثم عاد الى القدس في عام 1916.


و بعد عودته الى القدس وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني, و قد بدأ حياته العملية كاتباً في مكتب مسؤول الشؤون العربية, جبريل حداد, لدى الحاكم العسكري, و لكنه اثر ترك هذا العمل و التحق بالمدرسة الرشيدية في القدس كمدرس, ثم عمل مدرساً في مدرسة روضة المعارف, و التي كان لها دور اساسي في الحفاظ على الهوية العربية الاسلامية لفلسطين. كان الحاج امين دائماً في طليعة الاحداث, فقد كان داعماً للثورة العربية و جمع عدد كبير من شباب القدس و الخليل و التحق بجيش الامير فيصل بن الشريف الحسين في العقبة. كما كان الحاج أمين دافعاُ للحركة الاسلامية فقام على تقويتها و نشر افكارها, و قد حاول اليهود اغتياله في عام 1920 حيث كان متواجداً في في منزل اخيه الشيخ كامل مفتي القدس.


في عام 1921 و عقب مرض الشيخ كامل, قرر الانتداب الانجليزي تعيين فخري الحسيني, اخو الحاج امين, في منصب مفتي القدس. و لكن الفلسطينين ارسلوا عديد البرقيات من مختلف مدن فلسطين تطالب بتعيين الحاج امين مفتياً للقدس, و لم يكن يرغب الانتداب بهذا لانهم على علم بعداء الحاج امين لهم و بأفكاره الاسلامية التي تدعو الى النضال و الاستقلال, و لكنهم رضخوا تحت الضغوط و تولى الحاج امين منصب مفتي القدس. و في العام الثاني تم تعيين الحاج امين في رئاسة المجلس الاسلامي الاعلى حيث تولت ادارة الاوقاف الاسلامية في فلسطين. 

و بمجرد توليه لهذه المناصب, عمل الحاج امين على رفعة و تحسين الاوضاع الاقتصادية و التعليمية للفلسطينيين. و لادراكه لاهمية المسجد الاقصى و دوره الكبير في حياة المقدسيّين و الفلسطينيين قام في عام 1923 بإنشاء كلية دينية في ساحات الاقصى تعمل على  تأهيل الطلاب و رفع مستواهم العلمي و الثقافي و تحضيرهم من أجل شغل مناصب التدريس و امامة المساجد و تولي المناصب في المحاكم الشرعية. كما عمل على دعم المدارس الموجودة كروضة المعارف و المكتبات المختلفة.


و في عام 1929 كان الحاج امين الحسيني في قلب احداث ثورة البراق و تصدى لكل اكاذيب اليهود و الانجليز, و تحولت علاقته مع الانجليز الى عداء متواصل و دائم منذ هذا التاريخ. فعلى الصعيد السياسي قام الحاج امين بكتابة كتاب وجهه الى جريدة التايمز يشرح فيه حادثة ثورة البراق و يفند من خلاله اكاذيب اليهود و مزاعمهم, الا ان الصحيفة لم تنشره, فقام بنشره المجلس الاسلامي الاعلى. كما انه انتقل ليعيش في بيت يشرف على حائط البراق حتى يكون على علم مباشر بأي تحرك لليهود و يركز الحماية المباشرة للمسجد الاقصى و يباشرها بشكل شخصي. كما انه برفقة شيوخ و علماء فلسطين شكلوا جمعية " حماية البراق الشريف " للوقوف في وجه اعتداءات اليهود.


كما ان الحاج امين كان في وجه حملات اليهود المسعورة لشراء الاراضي و تهويد القدس و فلسطين, كيف لا و والده الشيخ طاهر الحسيني كان من اول من حارب شراء اليهود للاراضي في القدس و تهويدها و قد نبه السلطان عبد الحميد لهذا الخطر. فعن طريق المجلس الاسلامي الاعلى قام الحاج امين بمراقبة الاوقاف الاسلامية و عزل كل متخاذل تسول له نفسه التعامل مع اليهود و بيع الاراضي لهم, كما ان يعامل الوقف الاسلامي بشكل مميز فكان يعزل كل من يتنفع من هذه الاوقاف و يسخرها لمصلحته الشخصية. و قام الحاج امين الحسيني و الشيوخ المشكلين للمجلس الاسلامي الاعلى بوضع فتوى بحرمة بيع الاراضي لليهود.


بعد سنوات عديدة من وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني, ايقن الحاج امين ان الانجليز يعملون من اجل اليهود و لن يعطوا الفلسطينيين حقوقهم, فأعلن عليهم الجهاد. حينها حاول الانجليز اعتقاله فلجأ الحاج امين الى المسجد الاقصى لحرمته و اعتقاده ان الانجليز لن يجرؤوا على اقتحامه, الا ان الانجليز قرروا ن يجعلوا الهنود المسلمين المتواجدين في الجيش البريطاني ينفذون عملية الاعتقال, فخرج الحاج امين من المسجد درءاً للفتنة و توجه الى لبنان, الا ان الجيش الفرنسي القى عليه القبض قرب بيروت و فرضوا عليه الاقامة الجبرية في قرية جونية كونها مسيحية بالكامل.


و اثناء الحرب العالمية الثانية, حاول الحاج امين استغلال قوة دول المحور و راسلهم للحصول على عهد يتحقق بموجبه استقلال العرب و فلسطين, و لكن المانيا تعرضت لانتكاسة كبيرة في الحرب و حاول الحاج امين الذهاب الى سويسرا الان ان القوات الفرنسية القت عليه القبض, و بعد سلسلة من الوساطات العربية تم نقل الحاج امين الى القاهرة. و قد كان له نشاطات متواصلة بعد 1948 بتشكيل العمليات الفدائية و قد بقي الحاج امين حاضراً في كل ما يتعلق بالقدس و فلسطين و دائماً اصر على ان الحل الوحيد لتحرير فلسطين يتمثل بالحهاد و النضال المسلح, و بقي هذا منهجه حتى توفي رحمه الله في عام 1974.


حارب الحاج أمين في منفاه كذبة ان اهل فلسطين باعوا اراضيهم و انهم فرطوا في ارضهم و بين الدلائل و الوثائق التي تؤكد صمود الشعب الفلسطيني و وفائه لوطنه. كما انه كان يحارب كل مثبط لعزيمة المجاهدين و حمل دائماً لواء الجهاد و النضال المسلح في وجه الاحتلال الصهيوني. و قد بقي الحقد على الحاج امين دفين في قلوب الصهاينة, و ان لم يتمكنوا من اغتياله و النيل منه شخصياً, فقد قامت جرافات الاحتلال في بداية عام 2011 بهدم منزل الحاج امين الحسيني في حي الشيخ جراح او ما يعرف بفندق شيبرد لاقامة وحدات استيطانية لاسكان المستوطنين فيها.


لقد كان الحاج أمين الحسيني رحمه الله شوكة في حلق الانتداب البريطاني و المستوطنين الصهاينة, حتى قال بعض الصهاينة " قد كان مقدراً ان تنشأ دولة اسرائيل خلال 10 او 15 سنة من بداية المشروع, و لكن امين الحسيني جعل الامر يحتاج الى عشرات السنين". لقد قضى الحاج أمين الحسيني عمره في العمل على حماية القدس و فلسطين و محاربة الاحتلال البريطاني و الصهيوني و الوقوف في وجه مخططاتهم .. لقد كان فارساً حقاً لم يخش الاحتلال و لم يكن يجامل في الحق .. و كان يعلم ان الانتداب البريطاني عبارة عن واجهة لتسهيل قيام الدولة اليهودية و حارب هذا المشروع منذ بدايته و نجح في تعطيل العديد من مخططاتهم


لقد كان الحاج امين علماً مضيئاً في القدس و فلسطين و رجل من رجالات القدس يشهد له التاريخ بالبنان .. و حقه علينا ان نربي ابناءنا على سيرته و سيرة امثاله من ابطال القدس و فلسطين في تاريخنا الحديث ... و في النهاية نستشهد بقول الشيخ حلمي المحتسب :" ليت فلسطين تنجب اميناً اخر ".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق