الأحد، 6 نوفمبر 2011

أيهما أنت ؟!



منذ قديم الزمن, عُرف التاريخ و الايام بتقلباتها الكبيرة بين زهو و سطوع يقابله افول يمحي امم  لتصعد غيرها .. هي سنة الدفع التي وضعها الله عز و جل في الكون حتى يُعمر و تستمر الحياة. و لكن للامة الاسلامية خصوصية مهمة, فهي تضعف و لكنها لا تزول و بمجرد تخلصها من اسباب ضعفها المتمثلة بالابتعاد عن دين الله و منهجه, تجدها تعود قوية صلبة ... تسترجع سيرتها الاولى فتسري فيها تعاليم المصطفى عليه الصلاة و السلام و يطبق فيها شرع الله .. فتراها نضرة زاهية تمثل للعالم اجمع المرجعية و المثال الحي في العيش لله و من اجل الله و بتعاليمه عز و جل.


و المتصفح لتاريخ امتنا يلمس هذا التباين بين قوة و ضعف ... بين تبدل من حال الى حال .. و ما ان يتلمس اسباب هذا التغيّر, يجد ان قول الفاروق عمر بن الخطاب يصيب كبد الحقيقة و يشخص الداء و يوضح الدواء بشكل دقيق ... " نحن قوم اعزنا الله بالاسلام, فإن ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله ". و الاصل في حال امتنا ان تبقى عزيزة .. تتصدر الامم و تأخذ بزمامها نحو الخلاص و الرفعة .. كيف لا و قد ترك فيها رسول الرحمة - عليه الصلاة و السلام - القران الكريم و السنة النبوية , فالتمسك بهما ضمان للهداية المتواصلة و عدم الضلال .. و في كل مرحلة تقهقرت فيها الامة و تاهت في غياهب الظلم و الضلال و الضغف و تطاول عليها اعداؤها, نجد ان البعد عن تعاليم ديننا الكريم و ترك سنة المصطفى عليه الصلاة و السلام هو السبب الاساسي في هذا الحال. و في كل مرة كانت تعود فيها الامة لعهدها الاول, يكون بالعودة الى الدين الحنيف و التمسك به من جديد بالاساس.


و بفضل الله, في كلا الحالين لا تنعدم الخيرية في هذه الامة, فكما تجد في حال الرخاء و السلام من يبدع و يتفوق بشكل مميز, تجد كذلك في حال الضيق و التقهقر من يتصدى من أجل اعادة هذه الامة الى جادة الطريق. من دون شك, ان فترات الرخاء و السلام و اقامة شرع الله في الارض كان يعود على العلماء و العلم بالنفع و الابداع, فتاريخنا يشهد بعديد العلماء الذين ابدعوا و قادوا العالم في العلوم, فشكلوا الاساس و القاعدة التي بنيت عليها حضارات الامم اللاحقة.


و لكنا هنا نريد تسليط الضوء على الطرف الاخر, عندما تكون الامة في حالة الضعف .. عندما تكون الامة في أمس الحالة الى رجالها الاوفياء .. الى الرجال الاتقياء الانقياء ليقودوها الى الطريق المستقيم من جديد و ليأخذوا بزمام الامة من اجل العودة الى سابق العهد. و لعله من اصعب الايام التي مرت على الامة تمثلت في فترة الحروب الصليبية و ما صاحبها من احداث. فقد وصل التشرذم قمته و غاب دور العلماء و اقتصر على المذهبية و الاستماتة في المناظرات التي كانت دائماً تؤدي الى ويلات من اقتتال بين الناس المتعصبين لكل مذهب .. و اقيمت على اراضي مصر دولة الفاطميين و اصبحت وكر للاسماعيلية و الحشاشين .. هكذا كان الحال قبيل الحروب الصليبية.


و مع كل هذه الاحوال الضعيفة, ابتليت الامة بعدو حقود اتى ليغزو اراضي الامة الاسلامية و يستبيحها بحجة الدين و بهدف الاستعمار و وضع اليد على الخيرات الكثيرة فيها .. و على الرغم من انهم اخذوا دينهم حجة لهذه الحروب فهم امنوا بها و حولوا هذه الحرب الى حرب عقدية خالصة. حتى انه تشكلت فرقة فرسان كاملة في جيوش الصليبيين عرفت بقوات النخبة كانت تتشكل من الرهبان الذين زهدوا في الدنيا و طلبوا الموت في سبيل " القضية الصليبية " و كانوا يحملون حقد كبير على المسلمين و على كل ما يمت للاسلام بصلة. و قد رفض صلاح الدين الايوبي العفو عنهم لشدة ما عملوه في المسلمين من تنكيل و تقتيل.


و هنا لن ندخل في كيفية تحرير المسجد الاقصى و فتح القدس من يد الصليبيين و كيف عادت الامة الى سابق عهدها, و لكنا نستعرض حال فريقين اثنين تواجدا في الامة الاسلامية خلال الحروب الصليبية ... نموذج العامل على اعادة الامة لجادة الطريق و نموذج الاستغلالي الساعي نحو الدنيا المثبط لعزيمة الناس و اللاهث وراء فتات هذه الحياة ... و شتان بين الاثنين ... شتان بين الثرى و الثريا ... شتان بين من سعى لعلو امته فأعزه الله و اعز الله الامة به .. و بين من سعى لعلو نفسه .. فأذله الله و اعز الامة بتخلصها منه.


و بالحديث عن النموذج السيء المنبوذ, فيمكن ان نتكلم عن قسمين: القسم الاول هم الناس الذين عاشوا فقط من اجل انفسهم, فشغلوا بامور الحياة اليومية عن احوال الامة و الاهوال المحدقة بهم .. فكانوا عاملاً مثبطاً في كثير من الاحيان بقولهم  ماذا يمكننا ان نفعل ؟! و ما تقومون به من اعمال لن تغير شيء .. و دعونا ننتظر حتى يصلح الله الحال ... فلا عاشوا هموم الامة و لا سعوا الى الاصلاح و بل كانوا حجر عثرة  في طريق المصلحين. و هذا يتنافى مع حال المسلم المؤمن, حيث يعملنا رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام ان المسلم جزء  من هذه الامة يسعد لسعادتها و يحزن لمصابها و يهب لنصرتها, و هذا ما نجده في قوله عليه الصلاة و السلام :" مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد, اذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالسهر و الحمى ".


اما القسم الثاني و هو الاخطر يتمثل في الساعين نحو مصالحهم الشخصية و الاصرار على تحقيقها على مصلحة الامة كلها, بل انهم على استعداد  بالتضحية بالامة من أجل مصلحتهم فقط لا غير. و مثال ذلك امراء بلاد الشام الذين كانوا يتجنبون نصرة الامارات الاخرة امام الحملات الصليبية حتى لا تتعرض امارته للهجمات الصليبية و بعضهم وقع المعاهدات معهم و في النهاية كان مصيرهم الى زوال و نكث الصليبيون بعهدهم معهم و قضوا عليهم حالما تفرغوا لهم.


و الجانب الاسوء من هذه الفئة تمثل بالدولة الفاطمية التي اصبحت وكراً للاسماعيلية و اتباع فرقة الحشاشين, و لقد وجهت هذه الفئة الضربات العديدة للامة في خاصرتها. فبداية تحالف الفاطميون مع الصليبيين للقضاء على امراء ولايات الشام, حتى ان بعضهم سهل لاحتلال بيت المقدس في سبيل القضاء على امارات اخرى .. فأي منطق هذا ؟! و لم يقفوا عند هذا الحد, بل ايضاً حاولوا افشال مشروع نهضة الامة عن طريق بث فرق الاسماعيلية في بلاد الشام لاغتيال قادة هذا التيار الذي تولى زمامه عماد الدين زنكي. و بعد ان خضعت مصر لعماد الدين و نور الدين زنكي, ولى عليها صلاح الدين الايوبي, و قد تحالف الحشاشون و الفاطميون مع الصليبيين من اجل الانقلاب على صلاح الدين و القضاء عليه و لكنه استطاع ردهم في اكثر من مرة, حتى تمكن من اجتثاثهم بشكل كامل.


و في المقابل, نجد النموذج المشرق الرائع الذي عمل ليل نهار على رفعة الامة و قيادتها نحو الطريق الصحيح و من ثم تحرير بلاد المسلمين و المسجد الاقصى من براثن الصليبيين. فعلى صعيد العلماء مثلاً, كان الامام ابي حامد الغزالي لبنة اساس هذا المشروع, فلقد اسس جيلاً يحمل الافكار الاسلامية السوية و خلصه من كل الشوائب التي كانت عالقة في مناهج المدارس, ثم نشر تلامذته في كل الدولة, و قد اقبل طلبة العلم عليه بشكل كبير لما وجودوا فيه من صفاء و عودة الى ما كان عليه السلف الصالح. 


و من هذا الجيل خرج رجال متميزون حملوا هم الامة على اكتافهم فسعوا الى رفعتها و تميزها, فعمل عماد الدين زنكي على اقامة دولة اسلامية مميزة, فأقام العدل بين الناس و رفع عنهم الضرائب و نشر العدل بينهم حتى شببه كثير ممن عاصره بعمر بن عبد العزيز. و خلفه بعد ذلك نور الدين زنكي الذي عمل على توحيد الولايات المتفرقة لتصبح دولة اسلامية متحدة, و اكمل مشواره صلاح الدين الايوبي. فأقاموا دولة على اسس اسلامية حقيقية اساسها المتين الالتزام  الحق بدين الله و شرعه. و من ثم كان تحرير المسجد الاقصى و بيت المقدس و قهر الصليبين و طردهم من بلاد المسلمين.


و هنا وجب التنويه الى ان عماد و نور الدين زنكي و صلاح الدين الايوبي لم يكونوا وحدهم من اقام هذا المشروع, بل هم جزء من جيل كامل عمل على رفعة الامة كل في مكانه و بقدر طاقته, و هذا لا يمنع ان هؤلاء القادة الثلاثة كان لهم ميزاتهم الشخصية قدراتهم الخاصة التي فاقت من حولهم و بذلك اعطوا زخم كبير اضافي لهذا المشروع.


و لعل في ايامنا هذه نجد ان هذا الحال ينبطق الى حد كبير, و السؤال المطروح ايهما انت؟! هل انت من الفريق الذي يعمل على رفعة الامة و تحرير القدس و المسجد الاقصى من جديد ؟! ام انت من الجزء المثبط او حتى المفضل لمصالحه على مصالح الامة؟!


إن صعوبة تحرير القدس في هذه الايام لا تقل عنها ايام الحروب الصليبية .. و لن يحصل التحرير بين يوم و ليلة .. و لكن مشروع التحرير يحتاج الى عمل كل في مجاله و بقدر استطاعته, فتتجمع هذه الجهود معاً لتشكل لوحة فسيفسائية رائعة عنوانها تحرير المسجد الاقصى. إن تحرير المسجد الاقصى قادم لا محالة بإذن الله بوعد من الله عز و جل  و رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة و اتم التسليم .. و لكن السؤال .. مع اي فريق تريد ان يسجلك تاريخ الامة ؟! و ماذا ستقول عندما تسأل عما فعلت من أجل نصرة مسرى الرسول عليه الصلاة و السلام يوم القيامة ؟! .. ان كنت ممن يعمل على تحرير المسجد الاقصى, فجدد العهد و امضي على الطريق بنية صافية خالصة لوجه الله .. و إن كنت من الفريق الاخر, فهي فرصة لتقف مع نفسك و تراجع حساباتك, و من ثم تصحح المسار, فلم يفت الاوان بعد ...و ما زالت القدس تنتظرك لتحريرها ..و ان شاء الله سنلتقي قريباً في المسجد الاقصى محرراً عزيزاً .. فاتحين محررين بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق