السبت، 5 نوفمبر 2011

درة القدس .. و عروسها



ما ان تدخل مدينة القدس, حتى يخطف نظرك منظر خلاب يجعل انفاسك تتسارع من روعة المنظر .. قبة مذهبة فاتنة تحيط بها اسوار المسجد الاقصى و كأنها تحميها و تحرسها. و كلما اقتربت منها, كلما زادت دقات قلبك و كأنه يرنو الى اللقاء سريعاً .. هي لهفة المحبوب للقاء محبوبه. تدخل المسجد الاقصى فتنزل عليك السكينة و تنسى كل ما خارج هذه الاسوار .. فهنا مسرى رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة و السلام, و منها بدء معراجه صلوات الله عليه و سلامه .. هنا اذن بلال لاول مرة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه و سلم - ... هنا ام الفاروق عمر بن الخطاب جموع المصلين بعد فتح القدس .. هنا وقف صلاح الدين الايوبي محرراً للمسجد الاقصى من كيد الصليبين .. هنا و هنا و هنا ...


و انت تمشي في المسجد الاقصى تجد نفسك تتحرك دون وعي نحو تلك القبة الصفراء الرائعة .. حتى تصعد الدرجات و تقف امام قبة الصخرة المشرفة .. تحفة معمارية من أجمل ما يمكن ان تراه العين البشرية على هذه الارض قاطبة .. درة القدس ... و عروسها الجميلة. تعتبر قبة الصخرة اول بناء اسلامي في المسجد الاقصى و اقدم بناء اسلامي بقي محافظاً على شكله الهندسي الاصلي و عناصره الاسياسية دون تغيير. امر الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان ببنائها في عام 65 هجري, و بدأ العمل في بنائها عام 66 هـ و استمر العمل في بنائها قرابة الست سنوات حيث انجز بناؤها في عام 72 هـ, و قد اشرف على بنائها رجاء الكندي من بيسان و سلام مولى عبد الملك و هو من القدس.


قبة الصخرة بناء ثماني الاضلاع يتوسطه الصخرة المشرفة, حيث يبلغ طول ضلع الشكل الثماني 20.60 متر و يوازيه من الداخل شكل ثماني اخر يبلغ طول ضلعه 14.45 متر. فيما يبلغ قطر قبة الصخرة من الداخل 20.30 متر و ارتفاعها 20.48 متر. و في المبنى 40 عموداً منها اربع دعامات تحت اسطوانة القبة و 12 عمود منظم بشكل دائرة حول الصخرة المشرفة. و تبلغ مجموع الفيسفساء التي تغطي مساحات داخل مبنى الصخرة المشرفة 1200 متر مربع.


عندما احتل الصليبيون القدس, قاموا بتحويل قبة الصخرة الى كنيسة عرفت بكنيسة بيت الرب او قدس الاقداس, و قد نصبوا فيها التماثيل و الصلبان و حولوا الصخرة المشرفة الى مذبح تقدم عليه القرابين, حتى انهم كانوا يأخذون جزء من الصخرة و يبيعوها بأثمان كبيرة. و عندما فتح الناصر صلاح الدين القدس, اعاد قبة الصخرة الى سيرتها الاولى فأزال التماثيل و الصلبان و طهرها و امر بترميمها, و تذهيب القبة من الداخل. و واصل الخلفاء و السلاطين على طول السنين ترميم قبة الصخرة و الحفاظ على بهائها و رونقها لتكون درة القدس على طول السنين.

و لم يقتصر عشق هذه التحفة على المسلمين فقط, فقد تغنى بها العديد من العلماء الاجانب و عبروا عن عشقهم و انبهارهم بها. فيقول الاستاذ هايتر لويس: " إن قبة الصخرة  هي من أجمل الابنية الموجودة على وجه الارض, بل إنها أجمل الاثار التي خلدها التاريخ". و يقول عنها فان برشم :"  لعل عظمتها و جمالها يعودان لما نشاهده في مخططها من البساطة و التنسيق, حقاً إنها مفخرة العمارة الاسلامية". في حين قال عنها المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبن :" إن بناء قبة الصخرة اعظم بناء يستوقف الناظر, و أن جمالها و روعتها لا يصلان الى خيال بني البشر".

و مما لا شك فيه فإن وجود هذه التحفة الاسلامية في المسجد الاقصى يغيظ سلطات الاحتلال و يفشل مخططاتهم التهويدية, كيف لا و هي تؤكد على المعالم الاسلامية للقدس و تمثل جزء اساسي من معالم المدينة لا يمكن اخفاؤه. من أجل ذلك, طرح في مشروع زاموش اقامة كنيس الخراب بتصميم يجعله يحجب قبة الصخرة و يحد من بعدها الهندسي و مركزيتها في المنظر العام للقدس. كما ان المتطرفون اليهود و قطعان المستوطنين يدعون ان هيكلهم المزعوم موجود تحت بناء قبة الصخرة, فعندما يدنسون المسجد الاقصى يقفون امامها و يرددون تراتيلهم, و لا حول و لا قوة الا بالله.

و للاسف, و بدافع من الحماس الزائد و الجهل بالمسجد الاقصى, نجد ان كثيراً من اهلنا في الدول العربية و الاسلامية يعتبر التركيز على قبة الصخرة مخطط صهيوني من اجل شغل الانظار عن المسجد الاقصى و الذي هو بنظرهم المسجد القبلي, و هذا خطأ فادح يقع به الكثير. إن قبة الصخرة المشرفة جزء من المسجد الاقصى و الذي هو كل ما تضمه الاسوار و تبلغ مساحته 144 دونم. و بالتالي فالحفاظ على قبة الصخرة و اظهار روعتها و ابداع تصميمها جزء من الحفاظ على المسجد الاقصى و ابراز اهميته الانسانية و التاريخية.

إن قبة الصخرة المشرفة ... تحفة اسلامية مبهرة .. يجب ان نحافظ عليها و ان نذود عنها و نحميها من مخططات اليهود في الاستيلاء على جزء من المسجد الاقصى و اقامة الهيكل المزعوم ... درة القدس و عروسها .. تستصرخكم و تطالبكم بحمايتها .. فلا تتجاهلوها و تتناسوها ... كي لا تصير اثراً بعد عين لا سمح الله 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق