الثلاثاء، 10 يناير 2012

سورة المائدة و تبادل الادوار




بعد ان نجّى الله سيدنا موسى - عليه السلام - و بني اسرائيل من بطش فرعون و اغرقه, انعم الله على بني اسرائيل بجزيل النعم و اراهم على يد سيدنا موسى عديد المعجزات, ثم امر بني اسرائيل بدخول الارض المقدسة و مواجهة القوم الكافرين ( يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم و لا ترتدوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين ).  الا ان بني اسرائيل و كعادتهم نكثوا عهودهم مع الله و كان ردهم كما بينه القرآن الكريم ( قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ). و على الرغم من محاولة بعض المؤمنين نصحهم بالتوكل على الله و دخول الارض المقدسة, الا ان جوابهم النهائي كان ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ), فحرمها الله عليهم, و كان التيه مصيرهم عقاباً لنكثهم بعهود الله و معصيتهم له.



و قد اجمع المفسرين و علماء الامة ان القدس جزء من هذه الارض المقدسة التي كتب الله على المؤمنين دخولها و سكناها. و للتوضيح, فإن الله لم يكتب الارض لبني اسرائيل حصراً بل كتبها للمؤمنين و الذين هم بني اسرائيل في ذلك الوقت, و لكنهم طغوا و افسدوا و حرفوا في دينهم فغضب الله عليهم. و من جديد تبين هذه الاية ميزة جديدة لبيت المقدس فهي الارض المباركة و هي الارض المقدسة ايضاً, بركتها و قدسيتها انزلت قرآننا الكريم, محفوظة لا تبدل و لا تتغير.


لقد زرع رسولنا المصطفى - عليه افضل الصلاة و السلام - حب و اهمية المسجد الاقصى في قلوب صحابته الكرام رضي الله عنهم جميعاً فترجمت فعلاً على ارض الواقع. فهذا ابو بكر الصديق يرسل الى خالد بن الوليد باللحاق بالجيوش المتوجهة الى الشام من اجل فتح بيت المقدس, و ها هو الفاروق عمر بن الخطاب ينتقل من المدينة المنورة الى بيت المقدس ليتسلم مفاتحها بيده معلناً تحرير اولى القبليتن و ثالث الحرمين الشريفين. ثم يطلب من سيدنا بلال بالاذان في المسجد الاقصى, فيؤذن للمرة الاولى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم. و قد زار بيت المقدس عدد كبير من الصحابة و أهلوا منه بعمرة او بحجة.


ثم ننظر الى حال بيت المقدس و حالنا اليوم فنجد ان المسجد الاقصى و الارض المباركة المقدسة ترزح تحت الاحتلال اليهودي و تتعرض لاشد انواع التهويد و التطهير العرقي يقابله صمود اسطوري لاهلها الذين عرفوا قدر هذه الارض و بركتها و عظيم مكانة المسجد الاقصى فنذروا النفس و المال من أجل الصمود و الدفاع عنها. الا ان الغريب العجيب يتمثل في حال امتنا التي اغمضت اعينها عن بيت المقدس و المسجد الاقصى, متناسين مكانتها و الكثير منا جاهل بقيمتها و عظيم شأنها في الاسلام.


و المتدبر في آيات سورة المائدة التي افتتحنا بها هذه المقالة, يجد انها تنطبق على حالنا اليوم, فحال الامة اليوم كحال بني اسرائيل في الاية, يأمرنا ديننا بالذود و الدفاع عن بيت المقدس و فلسطين و الجهاد في سبيل الله. ارض فيها مسرى رسلونا الكريم - عليه الصلاة و السلام -, و فيها ثاني مسجد بني في الارض, و هي الارض المباركة المقدسة, أيعقل ان نتركها للصهاينة اليهود يدنسونها ؟؟! و في مقابل الدعوة لدخول الارض المقدسة, نجد ردود الكثير الكثير من ابناء الامة, ان القدس و فلسطين محتلة من قبل اسرائيل التي لديها اعتى و احدث الاسلحة و نحن ضعفاء و مفككين و لا طاقة لنا بهم. لقد تخاذل بنو اسرائيل ارادوا دخول الارض المقدسة دون بذل اي مجهود او التعرض لاي اذى في سبيل طاعة الله .. ارادوها هدية لهم دون اي تعب .. أليس هذا حالنا اليوم؟!


و في نفس سياق الايات و بالحديث عن حالنا ايضاً, عندما قال بنو اسرائيل ان فيها قوماً جبارين, قام رجلان انعم الله عليهما بنصحهم بطاعة الله, حيث قال تعالى ( قال رجلان من الذين يخافون الله أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون و على الله توكلوا ان كنتم مؤمنين ). و لان هذه الامة لا تعدم الخير, فإننا نجد رجال و نساء انعم الله عليهم ينصحون الامة كل يوم و يوجهونها و يستنهضوها من اجل نصرة المسجد الاقصى و بيت المقدس و فلسطين. يعملون ليل نهار لزرع قضية الاقصى و بيت المقدس في قلوب الامة و يوجدون الافكار و المشاريع العملية لنصرة القدس و المقدسيّين طاعة لله و جهاداً في سبيله من اجل اعادة الامة الى جادة الطريق.


و للاسف فإن البعض قد وصل في تخاذله الى درجات كبيرة حيث انهم انتقلوا من سلبية السكون و الصمت الى تثبيط العزائم و التشكيك في جدوى اي عمل من اجل نصرة المسجد الاقصى و بيت المقدس .. و عندما تتحدث معه عما يحدث من تدنيس للمسجد الاقصى و ظلم لاهلنا في القدس يخرج علينا بعبارة " للبيت رب يحميه". تغيرت العبارة و لكن المدلول فيه الكثير من التشابه .. نعم يريدون تحرير المسجد الاقصى بمعجزة من الله, و هو القادر عليها سبحانه عز و جل, دون بذل اي جهد في سبيل ذلك.


ان الله انزل هذا القرآن خاتماً للكتب السماوية و دستوراً للبشرية صالحاً لكل زمان و مكان, و لكن مشكلتنا اننا عندما نقرأ اياته فإننا, الا من رحم ربي, نقرأ الكلمات و نقلب الصفحات دون التدبر في آياته و اسقاطها على ارض الواقع .. فهذا القرآن معجزة المصطفى صلى الله عليه و سلم و اعجازه مستمر حتى يوم القيامة.


ان نصر الله قادم لا شك في ذلك .. و ان تحرير المسجد الاقصى و بيت المقدس وعد من الله, الذي لا يخلف الميعاد سبحانه, و رسوله عليه الصلاة و السلام, الذي لا ينطق عن الهوى. و لكن هذا النصر لن يأتي الا بالعمل و نصرة بيت المقدس و فلسطين و المسجد الاقصى و الجهاد في سبيل ذلك حتى يأتي امر الله عز و جل و يتحقق وعده.


فيا اخوتي .. لكل واحد منا ان يختار .. اما ان يكون ممن انعم الله عليهم فنعمل لنصرة المسجد الاقصى و بيت المقدس و تحريره من الاحتلال و اما ان يكون من الخاسرين بإرتداده على عقبيه و تخاذله عن نصرة و تحرير اولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق