الأربعاء، 29 فبراير 2012

بين الدعم و التطبيع ... ماذا قدمنا للقدس؟!




خلال مؤتمر القدس الذي اقيم في قطر تحت رعاية جامعة الدول العربية, قام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بطرح قضية زيارة القدس و دعا الدول العربية لزيارة القدس و المسجد الاقصى, و قال ان زيارة السجين ليست اعترافاً بالسجان. و زاد على هذه الدعوة امير قطر بطلبه من فضيلة الدكتور القرضاوي بتعديل الفتوى لتستثني من بلغ عمره الـ 60 من المسلمين القادرين على الذهاب الى القدس. و قد قابل هذه الدعوات الشيخ الدكتور القرضاوي بالتأكيد ان زيارة القدس لغير الفلسطينيين حرام لانها تطبيع.


و قد اخذ هذا الموضوع نقاش واسع من عديد الاطراف بين مؤيد و معارض, فمنهم من شدد على ان هذه الزيارات تطبيع و يجب منعها و منهم من شدد ان فيها كسراً للاحتلال و دعماً لاهلنا المقدسيّين. و بعيداً عن الاسلوب الذي طرحت فيه الفكرة و من طرحها, و بغض النظر عن الداعمين لمعارضة الفكرة, فإن كلا الطرفين لديه وجهة نظر فيها الكثير من المنطقية من ناحية المبدأ. و هذا الكلام تسمعه من المقدسيّين انفسهم, حيث انهم مشتاقون لرؤية اخوتهم و اشقائهم العرب و المسلمين يزورون القدس.


و عند الحديث عن هذا الموضوع يجب ان لا نأخذه بشكل منفرد بل يجب ان نضعه ضمن اطار قضية القدس و المقدسيّين العام الشامل. و قبل المضي قدماً بالحديث اقول ان مؤتمر القدس الذي عقد في قطر بلغ من الفشل انه اثمر فقط عن النقاش و الجدال حول قضية القدس, و كم وددنا و الله ان يتنحى من تلطخت ايديهم بمصافحة اليهود ليل نهار عن المشهد ليتركوه لاصحاب الاختصاص في هذا المؤتمر, و لكنهم اثروا ان يتركوا بصمتهم المعتادة في كل مكان يذهبون اليه و لا حول و لا قوة الا بالله.


أقول ان قضية القدس بلغت اليوم اخطر مراحلها, حيث ان انقلاب الموازين بلغ اوجه. فنرى عمل دؤوب و متواصل من المحتل المغتضب يقابله فتور و كسل اشبه بالشلل لدى الامة العربية و الاسلامية. و عند الحديث عن قضية القدس يجب علينا ان ندرك جميعاً ان حجر الاساس في هذه القضية هو الانسان المقدسيّ, الذي هو جوهرة نادرة الوجود قل نظيرها في العالم اجمع. هذا الانسان المقدسيّ الذي بقي صامد مرابط في ارضه رغم كل ما يتعرض له من تضييق و حرمان و تهديد, هذا الانسان الذي اخذ على عاتقه حماية المسجد الاقصى بالغالي و النفيس. هذا الانسان الذي يقف حجر عثرة في وجه مخططات الكيان الصهيوني لتهويد القدس و تحويلها الى عاصمة يهودية صرفة.


و لذلك فإن العدو الصهيوني يشن حرب شرسة على اهالي القدس لتهجيرهم و طردهم من اراضيهم من حرب 1948 و حتى يومنا هذا. من اوضاع معيشية صعبة, مروراً بالضرائب التي تثقل كاهل كل مقدسي, وصولاً الى حرب التراخيص و هدم البيوت و جدار الفصل العنصري الذي قطع اوصال القدس. و عندما نستعرض كل هذه الظروف التي يمر فيها المقدسيّ و نشاهد صموده في ارضه و استماتته في الدفاع عن المسجد الاقصى ندرك اننا نملك سلاح يحمل في انفاسه بركات المسجد الاقصى, و بالتالي فإن اول خطوة في دعم قضية القدس تكمن في دعم الانسان المقدسي للصمود في وجه هذا العدو الغاشم.


ان الانسان المقدسيّ يعيش اوضاع صعبة جداً, فالعديد من المباني في البلدة القديمة و الاحياء القريبة من المسجد الاقصى اصبحت غير صالحة للسكن بسبب التشققات و التصعدات في الجدران نتيجة للحفريات المستمرة التي يقوم بها العدو الصهيوني. و هناك فئة كبيرة تعاني من شبح فقدان المسكن نتيجة لعمليات الهدم التي تقوم بها سلطات الاحتلال بحجة عدم وجود تراخيص للبناء و كل يوم يحدث هدم لاحد المنازل و تشريد لاهله.


بالتالي فإن اهم خطوة تكمن في ايجاد سبل و فتح طرق لدعم المقدسيّين مادياً, بحيث يصمد المقدسيّ في محله التجاري و في بيته و من يهدم بيته يجد من يساعده و يوفر له كل الدعم المطلوب لاعادة حقه و مسكنه. يجب ايجاد الدعم للمؤسسات التعليمية في القدس حيث ان المدارس في القدس و الطلبة يعانون من اوضاع صعبة جداً. لا ابالغ اذا قلت ان الانسان المقدسيّ يشعر بالغربة في مدينته الان, فحتى السلطة الفلسطينية قد تنكرت له و لم تقدم له ما يساعده على الصمود في مدينته.


أما بخصوص المسجد الاقصى فنحن نجد رجال و نساء حملوا ارواحهم على اكفهم و نذروا انفسهم للدفاع عنه, و لكن يجب على الدول ان تتحرك لان الوضع خطير و بحاجة الى تدخل قوي و حاسم. فالاردن مسؤولة عن المسجد الاقصى و المقدسات الاسلامية في القدس و بالتالي يجب ان توفر الحماية المطلوبة له, و مصر مدعوة الى الضغط و التحرك بشكل قوي لحماية المسجد الاقصى ايضاً. و نفس الحال ينطبق على قطر التي تمتلك علاقات مع اسرائيل و لكن حماية الاقصى للاسف ليست من اولوياتها.


مع وجود اولويات عديدة و طرق مختلفة لدعم المسجد الاقصى يتضح لنا ان مجالات دعم القدس مختلفة متعددة و ليست مقتصرة على زيارة القدس فقط. و قد تكون زيارة المسلمين للقدس ذريعة للاحتلال بأننا نسمح للجميع بأداء شعائره الدينية و بالتالي فنحن لا نضيق على احد و لا نمارس اي اضطهاد على المسلمين فتنقلب الاية.


ما اريد قوله انه اذا كانت نقطة زيارة القدس فيها اختلاف و وجهات نظر, اذن لنعمل على النقاط الاخرة الاكثر اهمية و المجمع عليها من دعم للمقدسيّين مادياً و معنوياً, من تسليط الضوء عالمياً على ما يجري في القدس من تهويد, و من نشر الوعي بين شباب الامة حول قضية القدس و المسجد الاقصى. و من المهم هنا ان يفهم الجميع ان دعم و نصرة القدس و المسجد الاقصى ليست تفضل او منة من احد, بل هو واجب شرعي و قد امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بنصرته في حديثه حين قال " فابعثوا بزيت يسرج في قناديله".


ان قضية القدس عقيدة و يجب ان نحملها في قلوبنا و عقولنا دائماً, و ان كان هناك اختلاف في نوع من انواع النصرة و الدعم, فالاولى ان نعمل على الامور الاكثر اولوية و التي عليها اجماع في نصرة القدس و المسجد الاقصى. و القدس تنتظركم ... فماذا قدمتم لها ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق