الاثنين، 26 ديسمبر 2011

البدون الجدد ... في القدس




كالورم السرطاني يتلوى فيها .. ينهشها نهشاً .. ملتهماً الاراضي, مقتلعاً الاشجار و مدمراً البيوت .. جدار الفصل العنصري .. جملة وقعها على الاذن سيء و لكنه يزول, اما وقعه على العين فإن صادم, مذهل .. اما اثره على الارض فمدمر بكل ما لكلمة التدمير من معنى. و اجزم انه لو جمعنا قصص الشعب الفلسطيني مع الجدار العازل فإننا سنخرج بملحمة انسانية لم ترد من قبل في تاريخ البشرية. و لانها القدس .. هذه المدينة الخاصة, الفريدة في نوعها .. فقد وضع الاحتلال الجدار بطريقة خاصة تناسب خصوصية تعامله معها في كل شيء.


المتتبع لجدار الفصل العنصري في مدينة القدس يجده يتغلغل في المدينة بشكل غير منطقي ان كنا نأخذ الاسباب التي تطرحها سلطات الاحتلال بشكل جدي, فالاولى ان يلف الجدار المدينة كلها ان كانت الغاية " الدواعي الامنية". و لكن لان الهدف في القدس تحديداً امر مختلف تماماً, فمسار الجدار يأخذ هذا الشكل الافعواني الملتهم. عنوان مسار الجدار في القدس .. مخطط 2020 .. و هو مشروع يهدف الى تفريغ القدس من سكانها المقدسيّين العرب بحيث تصبح نسبة المقدسيّين اقل من 12% من سكان المدينة. و لان مخططات التهجير اصبحت فاشلة في اخراج المقدسيّين من اراضيهم و منازلهم, لجأ الاحتلال لاستغلال فكرة الجدار العازل, فعمل على جعل المناطق ذات الكثافة السكانية المقدسية العالية خارج نطاق الجدار و ضم مناطق استيطانية خارج المدينة لتصبح ضمن مساحة بلدية القدس.


آخر حلقات هذا الجدار تمثلت في اقامة حاجز او معبر شعفاط, و الذي جعل اكثر من 50 ألف مقدسيّ يحملون الهوية الفلسطينية خارج المدينة .. عملية طرد جماعي للمقدسيّين .. جبرية و سريعة جداً. لينضم سكان مخيم شعفاط لعدد كبير من المقدسيّين من حملة الهوية المقدسيّة الواقعين الان خارج المدينة بحيث انهم بحاجة الى اذن او تأشير او تصريح لدخول القدس و انه بكل سهولة بإمكان قوات الاحتلال منعهم من دخول المدينة, لا لشيء ... فقط لان الجندي لا يرغب بذلك !!!


و لان خطوات التهويد لا تأتي عبثاً بل تقع ضمن مخطط صهيوني خبيث ينفذ بوتيرة سريعة جداً, خرج علينا ما يعرف برئيس بلدية القدس ,و هي السكين المغروس في خاصرة المقدسيّين و رأس الحربة في تهويد القدس, نير بركات بخطة جديدة تتضمن نقل المسؤوليات الادارية المتعلقة بالمقدسيّين الواقعين خلف الجدار لتصبح ضمن صلاحيات السلطة الفلسطينية كجزء من اراضي الضفة الغربية. مما يعني سلخهم عن مدينتهم و منعهم من دخولهم القدس. في المقابل العمل يجري على قدم و سباق لانشاء مستوطنات جديدة في القدس من اجل جلب مستوطنين صهاينة ليسكونوا القدس و بالتالي احداث الفارق في التوزيع الديمغرافي ليحقق اهداف مشروع 2020.


و في الحقيقة فإن الخطوة التي يهدف اليها بركات, عليه من الله ما يستحق, تهدف فقط لتسريع عملية فصل المقدسيّين خارج الجدار عن القدس. فبالرجوع الى قوانين الاقامة للمقدسيّن, فإن ابتعاد المقدسيّ عن السكن في القدس لمدة سبع سنوات يفقده حقه في الاقامة في القدس و تسحب منه الهوية المقدسية, و هنا تكمن الكارثة. فسحب الهوية المقدسية يجعلهم امام معضلة حقيقية, فهم ليسوا مرتبطين بالقدس بشكل قانوني, و هم ليسوا مواطنين تابعين للسلطة الفلسطينية بحسب اتفاقيات اوسلو و لا يوجد لديهم جنسية اردينة بحكم فصل الارتباط.


هذا الوضع يجعلنا امام قضية بدون و لكن في القدس, و هو التعبير الامثل الذي استخدمه الاستاذ خليل التفكجي لوصف حالهم ( البدون هم مواطنون  لا يحملون اي وثيقة رسمية اغلبهم من البدو و لم يجدوا اي ضرورة في الحصول عليها عند تكون الدولة و بقوا على نفس الحال و هم الان يطالبون بالحصول على حقهم في الوثائق الرسمية. و هذه القضية تنشط في دولة الكويت الشقيقة. و المثال هنا للتقريب و ليس للمشابهة لا سمح الله).


و للخروج من هذا المأزق, هناك حل من اثنين فقط امام المقدسيّين المتواجدين الان خارج الجدار, اما الحصول على جنسية اجنبية, و هذا سيؤدي الى فقدانهم حق الهوية المقدسية  لانه بحسب قوانين الاحتلال المواطن المقدسيّ ممنوع ان يكون لديه اي جنسية اخرى. و الحل الثاني يتمثل في الحصول على الهوية الفلسطينية و بالتالي فقدان حق العيش في القدس و تسحب منه الهوية الفلسطينية.و شخصياً اجد ان هناك حالة جديدة قد تحدث و هي الهجرة العكسية من خارج الجدار الى داخله, و لكن هنا نحن امام عائق كبير. فنحن نتحدث عن ما يزيد عن 120 ألف مقدسي متواجد خارج الجدار الان و هذا الحجم من الصعب استيعابه في القدس الشرقية, اضافة الى ان العديد سيجد من الصعوبة ترك القرى فارغة لليهود لكي يصادروها و يستوطنوا بها.


و لكي نجعل الوصف اقرب الى ذهن القاريء حول وضع اهل القدس خارج الجدار, يقول الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين, ان هذه الفئة من المقدسيّين اسهل عليهم الوصول الى البيت الحرام من الوصول الى المسجد الاقصى لما يلاقونه من منع و اضطهاد و تضييق .. انها حملة تطهير عرقي شرسة و " على عينك يا تاجر ".


امام هذا الواقع, و امام هذه الخطط التي تنفذ لتهويد القدس, ماذا قدمنا لنصرة اهلنا في القدس ؟! لعل اكبر مصيبة نعيشها في نصرة القدس تكمن في انسلاخنا عن هذه القضية و تحولها الى خطابات رنانة تقال و احاديث اجتماعية تنتهي بعبارة " ايش طالع بإيدينا ؟! " .. و عند الحديث عن الاقصى .. نسمع العبارة التي تحمل كل معاني البرود و اللامبالاة " للبيت رب يحميه " .. و سؤالي هنا: هل كان هذا شعار الصحابة في فتح القدس الاول؟ هل كان هذا شعار صلاح الدين في فتح القدس و تخليصه من ايدي الصليبيين ؟!


ان نصرة القدس و المسجد الاقصى واجب علينا لا تكرماً منا عليهم .. مقدساتنا تنتهك .. اهلنا يشردوا .. و نحن ما زلنا نناقش مبدأ النصرة في حد ذاته. اين هي جمعيات حقوق الانسان .. اين هي المؤسسات الخيرية .. اين هي روح الشباب .. اين هو ابداع الامة في قهر الصعاب؟!


القدس اقرب من اي وقت مضى للضياع .. و المسجد الاقصى يستصرخكم لنصرته و نصرة حماته و جيرانه ... وقت الكلام انتهى .. فتحرك للفعل الان .. قبل ان تبكي المسجد الاقصى و القدس كما بكينا الاندلس .. تحرك .. تحرك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق