السبت، 24 ديسمبر 2011

مقالة لـ د. ديمة طهبوب بعنوان ... ماذا ننتظر ؟



منذ النكسة عام 67 بدأت أول فصول الجريمة بسياسة النفس الطويل و العمل الدؤوب و استكمل العدو الصهيوني في 2011 ما ظنه آخر الحلقات في مشروع هدم حي و تلة المغاربة الملاصقة للحرم القدسي الشريف. 44 عاما أنجز الاحتلال فيه في مشروع التهويد أكثر مما أنجزناه في ذات المرحلة في مشروع التصدي الموسمي للحفاظ على المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين و ثالث المسجدين!!

حي المغاربة الذي خلد أصل و بلاد الجنود الذين جاءوا في الفتح الصلاحي تاركين أوطانهم و أهاليهم لتحرير بيت المقدس، و خلد اجماع العرب من أقصى بلادهم الى أقصاها على قضية القدس و حرمتها استهدفه العدو الصهيوني أول ما احتل القدس، فهُدم الحي الذي كان يحوي أربعة مساجد أحدها مسجد البراق الشريف المرتبط برحلة الإسراء و المعراج، و كذلك 138 عقارا سنة 67 ثم هدم المدرسة الفخرية سنة 69 و بدأ تفريغ المنطقة من فوق الأرض و تحتها لتنفيذ مشروع "أورشليم أولا" و الذي يشمل توسيع ما يسمى "ساحة المبكى" و الذي يشمل إقامة مدرسة دينية و متحف و موقف للسيارات في محيط الساحة، و يكتمل بإقامة "كنيس نور القدس" ليطل مباشرة على ساحات المسجد الأقصى، و قد كان من نتاج الحفريات المستمرة أن انهار جزء من تلة المغاربة عام 2004 و أتبع الاحتلال ذلك بعد عام بإقامة جسر خشبي مؤقت مكان طريق المغاربة لتسهيل اقتحام ساحات المسجد الأقصى، و في عام 2007 بدأ الاحتلال بهدم التلة الا أن أهل القدس تصدوا للجرافات و الجيش و أوقفوا الجريمة، و في عامنا هذا استكملت سلطات الاحتلال جميع الاجراءات القانونية في عرفهم لهدم التلة الا أن الهبة الأردنية المصرية الرسمية و الشعبية حالت دون تنفيذ القرار الذي يعتبره العدو مسألة وقت سرعان ما يحاول بعده إعادة الكرة أول ما يحس بغفلة العرب و انشغالهم عن القدس

و قد كان و ما زال للأردن جهود رسمية مباركة في تاريخ القدس و حاضرها منذ عهد تأسيس المملكة حيث بعث مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني للملك المؤسس عبد الله الأول شهادة شكر و ثناء على جهود الأردن في الدفاع و الحفاظ على المسجد الأقصى ماديا و معنويا، و هذا ليس بغريب فالأردن بحسب العرف القانوني الدولي يعتبر الوصي الشرعي على القدس و المسجد الأقصى و الأوقاف
و أما الجهود الدبلوماسية الأخرى فينبغي طرق كل الأبواب و فضح ممارسات الاحتلال للعالم و بخاصة بعد أن أصبحت فلسطين عضوا في اليونسكو و أول مهامها يجب أن تكون الحصول على اعتراف بأن القدس و المسجد الأقصى جزء من التراث الانساني المهدد الذي لايجوز المس به فهو ليس أقل من تماثيل بوذا التي استماتت الأمم المتحدة للحفاظ عليها في أفغانستان
الا أن الجهود الدبلوماسية تظل متواضعة و محدودة و ينبغي أن تأزرها الجهود الشعبية في الدعم و التوعية و القيام بالحملات لحفظ و ترميم ما بقي من تلة المغاربة و هي التي يستهدفها العدو الآن

و لقد سبق الأردن بحكم التاريخ و الموقع و المسؤولية و الصلات الى إطلاق حملة شعبية بعنوان "أنا أردني الأقصى مسؤوليتي" و التي تم استنساخها في كثير من الدول العربية للتأكيد على المسؤولية الفردية في كل دولة على حدى، و توسعت في إطارها الإسلامي بعنوان "أنا مسلم الأقصى مسؤوليتي" للتأكيد على المسؤولية الجماعية تجاه المسجد الأقصى، و الحملة تنطلق من مجموعة من المفاهيم المبدئية التي ترمي الى نشرها و تعزيزها في نفوس الأفراد و الشعوب و منها: أن جسر باب المغاربة، المهدد حاليا، حكمه كحم المسجد الأقصى لأنه الطريق الموصل الى المسجد الأقصى من الناحية الغربية، و أن التلة التي يقوم عليها جسر باب المغاربة أثر إسلامي و الآثار البشرية حق إنساني"

و تهدف الحملات الوطنية و العربية الى التوعية بأهمية الأوقاف المقدسية و بالذات المهدد منها و المكانة الدينية و التاريخية لها، و حشد الطاقات للضغط على الحكومات و المؤسسات لتأخذ على عاتقها دعم مشاريع الترميم
اليوم يُفتح للمسلمين ملفات جرائم غير مثبتة قد عفى عليها الزمان و أكل و شرب لتشويه صورتهم في العالم!! فمن يفتح ملف الجرائم السابقة و المستمرة ضد القدس و أهلها و هل من محكمة يمكن الاحتكام إليها غير العدالة الإلهية و القضاة العدول الذين لا يفرطون بحقهم و حق الأمة في الأرث المقدسي المقدس؟!

البارحة كانت تلة المغاربة و التي لو هدمت لا سمح الله فسيكون لها ما بعدها، فلو هان علينا شيء من الحرم فما يمنع أن يهون علينا كله، فالتفريط لا يعرف القسمة و من فرط في البعض يوشك أن يضيع الكل و صدق الشاعر حين سألنا:

متى تغضب؟
إذا لله للحرمات للإسلام لم تغضب
فصارحني بلا خجل لأية أمن تُنسب
أتنتظرون أن يُمحى وجود المسجد الأقصى و أن نُمحى؟
ألم تنظر الى الأطفال في الأقصى
عمالقة قد انتفضوا
أتنهض طفلة العامين غاضبة
و صناع القرار اليوم لا غضبوا و لا نهضوا؟!

أتنتظرون أن يُمحى وجود المسجد الأقصى و أن نُمحى؟ لم يعد السؤال افتراضيا و لا خياليا إنه واقع يسعون الى تحقيقه أمام أعيننا، فهل ندخل التاريخ من باب المتخاذلين تحت اسم الجيل الذي ضيع الأقصى ؟!
الوضع خطير لا يحتمل التسويف أو الركون أو التأجيل و مصير الأقصى قرارنا و مسؤوليتنا أفرادا و جماعات و كذلك التفريط وزره و عاقبته في عنق كل منا

د.ديمة طارق طهبوب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق