الأحد، 11 ديسمبر 2011

ليتنا نعامل القدس كما نعامل الكلاسيكو




بدأت الحشود تتوجه نحو المقاهي و تتجمع في البيوت امام شاشات التلفاز منذ ساعات المساء الاولى ... خُسف القمر, فلم يلق الكثير و الكثير له بالاً, فليس هذا هو الحدث الاهم .. استشهد الشاب مصطفى التميمي في قرية النبي صالح جراء اطلاق جنود الاحتلال قنبلة مسيلة للدموع من مسافة تقل عن الـ 10 امتار فتهشم الجزء الايمن من وجهه و توفي بعد ذلك. عفواً فهذا ليس الحدث الاهم .. اقتربت الساعة من الـ 11 مساءاً بتوقيت القدس الشريف, بدأت دقات القلوب تتسارع و اخذ الادرينالين يسري في العروق .. دقت ساعة الصفر .. و بدأ الكلاسيكو ( و لمن لا يعرف ما هو الكلاسيكو نقول .. ان الكلاسيكو مباراة كرة قدم تقام بين ناديي برشلونة و ريال مدريد ) .. الشوارع خالية و الاصوات تتعالى مع كل دقيقة .. و تعلو الصيحات و التصفيقات مع كل هدف .. و لله الحمد, انتهى الكلاسيكو بعد ساعتين تقريباً.



و لكن الشيء الملفت للنظر ليست المباراة بحد ذاتها, بل كم الشحن و التحضير النفسي و الذهني لهذه المباراة .. فلقد اخذ الكلاسيكو الحيز الاكبر من النقاش و الاحاديث في معظم بلادنا العربية و الاسلامية, فتجد في كل مجلس مناظرات,  شد اعصاب,  تحليل .. و وعيد و توعد. فأصبحت حياتنا كلها تتمحور حول مباراة كرة قدم, و لم يقتصر الامر على ذلك .. فما زال امامنا اسبوع كامل من الحديث عن الكلاسيكو و احداثه و تحليلاته, مع المزيد من شد الاعصاب و الاخذ و الرد و شد الاعصاب و ربما انتهى الامر بأكثر من ذلك.


و ليست المشكلة بمتابعة مباراة بحد ذاتها و الترفيه عن النفس لساعتين من الزمن, و لكن الكارثة تكمن في ان تصبح هذه المباراة اولى اولوياتنا, تطغى على اي شيء اخر في الوقت الذي يعج فيه واقعنا المؤلم بالكثير من الامور المصيرية التي تدعو لان تؤخذ بجدية تصل الى نصف الجدية التي نعامل بها هذه المباراة. و من اهم أولوياتنا الضائعة .. مسرى رسولنا الكريم - عليه الصلاة و السلام - و ثالث الحرمين الشريفين و مدينة القدس الشريف. هذه المدينة التي في كل يوم تشهد مواجهات, و اعتقالات, و تهجير و تهويد شرس يقابله صمود منقطع النظير من اهلنا في بيت المقدس.


ان الناظر الى الامة الاسلامية بتمعن يجد انها اصيبت بمتلازمة نقص ترتيب الاولويات .. و ان كان ما يعرف بمرض الايدز او متلازمة نقص المناعة المكتسبة يعد من اكثر الامراض فتكاً كونه يصيب جهاز المناعة فيجعل الجسم هشاً تجاه اي مرض, فإن الامر ذاته ينسحب على متلازمة نقص ترتيب الاولويات التي اصابت الامة و فتكت فيها. من غير المنطقي ان تضع الاشياء الثانوية في سلم اولوياتك و تترك امورك المصيرية في اخرها, هذا ان وضعت كأولوية. فكيف لصاحب منزل يجد بيته يتشقق و يكاد ان ينهار, يترك ترميمه و ينشغل في قص عشب حديقة المنزل ؟؟! كيف لصاحب سيارة يشاهد ان سيارته تعاني من خلل عميق في محركها, ينشغل في وضع معطر للمكيف ؟!


إن ضياع الاولويات و ترك الاهم و المصيري و الانشغال بالامور الثانوية تجعل الامة تدخل في نفق مظلم يجعلها لا ترى ما يدور حولها بوضوح. و ان القدس و المسجد الاقصى هي من اولى اولياتنا, كيف لا و نحن نشاهد مسجدنا يدنس في كل يوم, و اهلنا يشردون من بيوتهم و مقدساتنا تدمر و تزال عن بكرة ابيها .. افيعقل ان ننشغل عن كل ذلك بمباراة كرة قدم؟! .. و حتى نظهر الاثر الكبير لهذا المرض, ننظر الى عدونا الذي يضع القدس في اولى اولياته .. و الامر ليس مقتصر على سلطات الاحتلال فقط, بل ان ما يثير القلق ان هذا الامر موجود لدى اليهود اجمع ..فكم من جمعية خاصة تعمل ليل نهار في القدس من اجل مصادرة المنازل ؟؟ و كم من منظمة صهيونية ارهابية تعمل من اجل بناء الهيكل .. و كم من مستثمر صهيوني يضخ الملايين لتهويد القدس ؟!


و ان كان تشخيص المرض العضال اصبح واضحاً و اعراضه تغلغلت في جسم الامة, فإن العلاج و لله الحمد متوفر و في متناول الجميع, فلسنا بحاجة الى عمليات استئصال و لا الى انواع لا حصر لها من الادوية. إن دواء هذا الداء فقط يتطلب تحرك من كل فرد فينا .. جلسة صادقة مع الذات تعيد فيها ترتيب اولوياتك و تضع القدس و المسجد الاقصى في مكانه الصحيح ضمن سلم الاولويات. و وضع القدس في مكانها الصحيح يتضمن ان تتعرف الى تاريخها و واقعها .. الى مكانتها في ديننا الاسلامي الحنيف .. ان تجعلها جزء من يومك و غدك .. من حاضرك و مستقبلك. عندها سنجد ان المسيرات و المهرجانات الداعمة لقضية القدس و المسجد الاقصى تأخذ منحنى جديد غير مسبوق, بحيث تتحول الى نتائج ملموسة في القدس على ارض الواقع.


ان المسجد الاقصى و القدس الشريف امانة في اعناقنا و من غير المعقول ان نتناساها في حياتنا بينما نعطي اشياء ثانوية ايام و اسابيع من حياتنا ..لدرجة اننا اصبحنا  نتمنا ان نعامل القدس كما نعامل الكلاسيكو. و لا ابلغ من قول الشاعر و هو يخاطب المسجد الاقصى:


أدري بأنك غاضبٌ من أمةٍ ... شغلت عن المضمون بالعنوانِ
تركتك في ارض العدو و قطّعت ... ارحامها بمعارك البهتانِ


فيا أختي و يا أخي .. لم يعد مقبولاً ان نتنصل من واجباتنا و قضايانا المصيرية بهذا الشكل المخزي .. فجدد العهد و ضع القدس في اعلى اولوياتك .. و انصرها نصرة لدينك و نبيك و امتك ... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق