في الغد, تحل علينا الذكرى الحادية عشرة لانتفاضة الاقصى, و التي انطلقت من المسجد الاقصى احتجاجاً على اقتحام شارون و قوات الاحتلال للمسجد الاقصى. هذه الانتفاضة التي انتشرت في كافة انحاء فلسطين و روّت دماء الشهداء ارض فلسطين كاملة, من اهلنا في الـ 48, الضفة الغربية و غزة. و قد جاءت هذه الانتفاضة لتعيد الشعب الفلسطيني الى مقاومة المحتل الصهيوني و التخلص من اثقال اوسلو, حيث شكلت انتفاضة الاقصى فصل جديد في كتاب نضال الشعب الفلسطيني امتد لسنوات عدة.
و تمر علينا هذه الذكرى في اوقات صعبة خصوصاً في مدينة القدس, وسط تصعيد متواصل من قوات الاحتلال على جميع الصعد, طال الانسان, و المقدسات .. الارض و البناء .. و وصل حتى الى التعليم و منهاج الدراسة. و ان كانت الامور على الصعيد السياسي ضبابية و فيها اخذ و رد في المحافل الدولية, فالامر مختلف كثيراً في مدينة القدس. فالواقع يشهد تحرك من سلطات الاحتلال بشكل يومي مستمر يقابله صمود شعبي مقدسيّ و اصرار كبير, و تغيب عن المشهد السلطة الفلسطينية بشكل واضح.
فعلى صعيد الاستيطان, تواصل قوات الاحتلال سياسة تشويه معالم مدينة القدس و زرع المستوطنين فيها من اجل انجاح مشروعهم الذي يقضي بتحويل القدس الى عاصمة ابدية لدولتهم الصهيونية. و ليس ادل على ذلك من الاخبار التي قرأناها اليوم و التي تتحدث عن مصادقة لجنة البناء و التنظيم في بلدية القدس العبرية على بناء 1100 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة جيلو الواقعة في جنوب القدس. بل ان سلطات الاحتلال تحاول استغلال الازمة السكنية في دولتهم عن طريق تكثيف المستوطنات في القدس و توفير مساكن للمحتجين فيها ضاربة بذلك عصفورين بحجر واحد. و لا يقتصر الامر على الاستيطان, فطرد المقدسيّين امر اساسي يحرص العدو على تنفيذه. و في هذه الايام نتحدث عن قرار محكمة العدو الذي قد ينتج عنه هدم 88 منزلاً او ما يعرف بحي البستان و تهجير 1600 مقدسيّ.
و للانسان حظ وافر من اعتداءات قوات الاحتلال, حيث شهدت الاشهر الاخيرة حملة شرسة و غير مبررة من قبل سلطات الاحتلال على الفتية و الاطفال المقدسيّين. فقامت بإعتقال اعداد كبيرة من اطفال قصّر دون سن الرشد, بل ان بعض الاطفال المعتقلين لم يكملوا الـ 8 سنوات بهدف ارهاب الاطفال المقدسيّين و كسر روح الصمود و المواجهة لديهم. و الامر لا يقتصر على الاطفال و الشبان, بل ان هناك ايضاً بالتوازي مع ذلك محاولة قوية لتفريغ المدينة من رموزها السياسية و الفكرية النضالية. ففي الامس تم الاعتداء على النائب المقدسيّ احمد عطون حيث خطفته قوات المستعربين من مقر الصليب الاحمر بشكل هجمي بربري, و ستتم محاكمته بتهمة عدم مشروعية تواجده في القدس المحتلة.
أما المسجد الاقصى, فما زالت جنباته تأن جراء تدنيس المستوطنين المتواصل لها. فأعداد المستوطنين الذين يدنسون المسجد الاقصى اصبحت تتزايد بشكل ملحوظ حيث ان عددهم يصل الى اكثر من مئة مستوطن في بعض الايام, و اخذوا يقومون بأداء صلواتهم و ترديد ترانيمهم بشكل علني و امام اعين الناس. ناهيك عن حملات السياحة اليومية الموجهة الى المسجد الاقصى و التي تضم فيها سياح يلبسون ثياب شبه عارية و يقومون بأفعال مشينة و مخالفة للدين الاسلامي. كما ان سلطات الاحتلال اصبحت تستهدف طلبة مساطب العلم التي تقام في المسجد الاقصى و الذين يتصدون للمستوطنين في كثير من الاحيان. فأصبحت تلاحقهم و تعتقلهم و تحكم عليهم بالابعاد عن المسجد الاقصى لفترات متفاوتة. و على صعيد الحفريات, تتواصل عمليات التنقيب تحت المسجد الاقصى و البلدة القديمة بشكل سري و دون ان يعرف تحديداً ما يقوم به العدو, و اخر ما اعلن عنه العدو الصهيوني النفق الممتد من عين سلوان الى المسجد الاقصى و الذي كشف عن جزء من اساسات المسجد الاقصى.
هذا هو الحال في ذكرى الانتفاضة التي كانت شرارتها من المسجد الاقصى و القدس. تصعيد كبير مسعور من قوات الاحتلال, يواجهه صمود متواصل من قبل اهلنا المقدسيّين و صمت مطبق من الدول العربية و الاسلامية و تجاهل كبير من شعوبنا. و اكثر ما يحرج المقدسيّون, ذلك الصمم الكبير الذي اصاب السلطة الفلسطينية فلم تعد تسمع اصواتهم و لم تعر لهم بالاً .. لاهثة وراء سراب لا يسمن و لا يغني من جوع.
و ذكرى الانتفاضة, و دماء شهدائنا الذين سقطوا فيها, حرية اسرانا التي سلبت خلالها و كل التضحيات التي بذلت .. تدفعنا للمضي قدماً و مواصلة العمل و التحرك بشكل اوسع .. و نحن ندرك ان المستوطنين و قوات الاحتلال عازمة على مواصلة عربدتها خلال الايام المقبلة و التي تصادف اعياد دينية عندهم, و بالتالي يجب ان نتحرك بشكل قوي على جميع الصعد و المستويات للوقوف الى جانب اهلنا في القدس و حماية المسجد الاقصى .. بداية بتظاهر شعوبنا .. مروراً بتسليط الضوء على ما يحدث و طرحه عن طريق المؤسسات العالمية الاجنبية .. و انتهاءاً بوقفة دولية عربية اسلامية حازمة .. خصوصاً من الدول التي نحجت فيها الثورات و الدول التي تشكل عمق اسلامي مهم للامة و على رأسها السعودية.
لم يعد الوقوف امراً مقبولاً .. و ها هي انتفاضة الاقصى تستصرخنا من جديد ... ان هبوا امة الاسلام لنصرة الاقصى .. القدس و فلسطين .. فلا ربيع لامتنا و مسرى رسولنا تحت الاسر و التدنيس ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق